وعندما اندلعت حرب الثمانية وأربعين ركب الحماس السيد مصباح بشكل مفاجئ فانضم إلى جيش الإنقاذ وسافر وهو يعلق بندقيته على كتفه إلى فلسطين، ولكن سرعان ما جاء خبره في رسالة قصيرة من القيادة موجهة إلى زوجة البطل الشهيد فعرفت مديحة أنها ترملت وهي عروس شابة لم تتجاوز الخامسة والعشرين من عمرها، فعادت إلى بيت أهلها لتنضم إلى أختيها العانستين فاطمة وسعدية.
أصبحن ثلاث نساء يسكنّ بيت العائلة الكبير، وكان الناس في الحي اعتادوا احترام العانستين فيذكرونهما بصفتهما آنستين، أما الآن وبعد أن انضمت اليهما الأرملة مديحة فقد أصبحن ثلاث "آنسات"، وكانت الآنسة فاطمة هي أكبرهن بينما كانت مديحة أجملهن إلا أنها قررت أن تنهي قضية الجمال هذه فتوقفت عن التبرج ولم تعد ترتدي سوى الملابس السوداء حتى بعد أن انقضت أيام العدة وأصبح بإمكانها مواجهة الرجال، ولا بأس من القول بأن أختيها العانستين كانتا مثلها غير ميالتين لارتداء الألوان الزاهية أو لصباغ الشفاه والوجنات بالأحمر إلا أنهما لم يرغما نفسيهما على ارتداء الملابس السوداء باستمرار فهذا تعصب لا معنى له وقد ارتدى الجميع يوماً الملابس السوداء حزناً على وفاة الأب والأم إلا أن الجميع خفف من الحزن حتى أن مديحة تزوجت السيد مصباح صديق أخيها مدحت وارتدت في ليلة زفافها البدلة البيضاء.
ومدحت هذا هو الأخ الأكبر والوحيد للآنسات وهو الذي يدير مصالح العائلة التي أورثهم إياها الأب وقد تزوج يوماً من ابنة ملاك أراضٍ ويعيش معها بسعادة في أرقى أحياء المدينة، ونقول "بسعادة" لأن العروس كانت همست في أذنه في فترة الخطوبة بأنه إذا أراد أن يجعلها "سعيدة" عليه أن يخطط ليسكنها في بيت خاص بعيداً عن وكر النساء هذا وقد كان لها ما أرادت.
كانت الآنسة فاطمة تمضي وقتها بالتطريز على الطارة وكانت الأقمشة المطرزة تستخدم فيما بعد كشراشف وأغطية مخدات وطاولات وغيرها من الأمور المفيدة، وعندما امتلأ البيت بالأغطية بدأت بتطريز المربعات والمستطيلات كما يحلو لها فاكتشف أخوها مدحت بأن هذه المطرزات تصلح للتعليق على الجدران كلوحات فنية وقد طلب منها إهداءه لوحة تمثل تاريخ المدينة منذ أن وصل إليها المغول وحتى اليوم فتنازلت له عنها فوضعها في برواز أنيق وعلقها في صدر غرفة الضيوف في بيته ليدهش بها ضيوفه من القناصل الأجانب.
أما الآنسة سعدية فقد كانت تهوى الطبخ، وكانت تقدم كل صباح لشريف، وهو العجوز الذي كلفه مدحت بتموين الآنسات بكل ما يلزمهن، قائمة بالخضار والحبوب واللحوم وغيرها من المواد الأولية اللازمة للطبخ ثم تحتل المطبخ لساعات تحضر الأطباق المتنوعة والشهية التي لن تجد من يتناولها، إلا أن الآنسة فاطمة ومديحة، وإكراما ًلأختهما الآنسة سعدية، يقمن بتذوق الأطباق بلقيمات معدودة ثم يدعين الشبع بينما كانت الطباخة الماهرة تأكل حتى الامتلاء، ليس لأنها كانت أكولة بل لأنها لم تكن تحب أن تتحول الى مجرد طباخة تصنع الأطباق لموائد الجيران فقط.
أصبحن ثلاث نساء يسكنّ بيت العائلة الكبير، وكان الناس في الحي اعتادوا احترام العانستين فيذكرونهما بصفتهما آنستين، أما الآن وبعد أن انضمت اليهما الأرملة مديحة فقد أصبحن ثلاث "آنسات"، وكانت الآنسة فاطمة هي أكبرهن بينما كانت مديحة أجملهن إلا أنها قررت أن تنهي قضية الجمال هذه فتوقفت عن التبرج ولم تعد ترتدي سوى الملابس السوداء حتى بعد أن انقضت أيام العدة وأصبح بإمكانها مواجهة الرجال، ولا بأس من القول بأن أختيها العانستين كانتا مثلها غير ميالتين لارتداء الألوان الزاهية أو لصباغ الشفاه والوجنات بالأحمر إلا أنهما لم يرغما نفسيهما على ارتداء الملابس السوداء باستمرار فهذا تعصب لا معنى له وقد ارتدى الجميع يوماً الملابس السوداء حزناً على وفاة الأب والأم إلا أن الجميع خفف من الحزن حتى أن مديحة تزوجت السيد مصباح صديق أخيها مدحت وارتدت في ليلة زفافها البدلة البيضاء.
ومدحت هذا هو الأخ الأكبر والوحيد للآنسات وهو الذي يدير مصالح العائلة التي أورثهم إياها الأب وقد تزوج يوماً من ابنة ملاك أراضٍ ويعيش معها بسعادة في أرقى أحياء المدينة، ونقول "بسعادة" لأن العروس كانت همست في أذنه في فترة الخطوبة بأنه إذا أراد أن يجعلها "سعيدة" عليه أن يخطط ليسكنها في بيت خاص بعيداً عن وكر النساء هذا وقد كان لها ما أرادت.
كانت الآنسة فاطمة تمضي وقتها بالتطريز على الطارة وكانت الأقمشة المطرزة تستخدم فيما بعد كشراشف وأغطية مخدات وطاولات وغيرها من الأمور المفيدة، وعندما امتلأ البيت بالأغطية بدأت بتطريز المربعات والمستطيلات كما يحلو لها فاكتشف أخوها مدحت بأن هذه المطرزات تصلح للتعليق على الجدران كلوحات فنية وقد طلب منها إهداءه لوحة تمثل تاريخ المدينة منذ أن وصل إليها المغول وحتى اليوم فتنازلت له عنها فوضعها في برواز أنيق وعلقها في صدر غرفة الضيوف في بيته ليدهش بها ضيوفه من القناصل الأجانب.
أما الآنسة سعدية فقد كانت تهوى الطبخ، وكانت تقدم كل صباح لشريف، وهو العجوز الذي كلفه مدحت بتموين الآنسات بكل ما يلزمهن، قائمة بالخضار والحبوب واللحوم وغيرها من المواد الأولية اللازمة للطبخ ثم تحتل المطبخ لساعات تحضر الأطباق المتنوعة والشهية التي لن تجد من يتناولها، إلا أن الآنسة فاطمة ومديحة، وإكراما ًلأختهما الآنسة سعدية، يقمن بتذوق الأطباق بلقيمات معدودة ثم يدعين الشبع بينما كانت الطباخة الماهرة تأكل حتى الامتلاء، ليس لأنها كانت أكولة بل لأنها لم تكن تحب أن تتحول الى مجرد طباخة تصنع الأطباق لموائد الجيران فقط.